كلمة سلطنة عمان أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة
كلمة سلطنة عمان أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥م
معالي رئيسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
رؤساء وأعضاء الوفود الأكارم، الحضور الكريم،
تواجهُ الأسرةُ الدَّوْلية اليومَ، طيفًا واسعًا من القضايا الحيوية، التي تؤرقُ ضميرَ الإنسانيةِ، وتتطلبُ منا تضافرًا حقيقيًا لمعالجتِها، بروحِ المسؤوليةِ والتعاونِ، وقد عبّرت سلطنةُ عُمان، في مناسباتٍ متعدّدة، عن رؤيتِها ومواقفِها الواضحةِ، حيالَ هذه القضايا، وفي مقدمتِها أزمةُ المناخ، و التحوّلِ إلى مصادرِ الطاقةِ النظيفةِ، فضلًا عن الدعوةِ لاستثمارِ الفرصِ الجديدةِ في مجالاتِ التجارةِ والتنميةِ المستدامة.
غيرَ أنَّ هناك قضيةً إنسانيةً وسياسيةً، عميقةَ الجراح، ما تزالُ تقفُ في صدارةِ الأولوياتِ المُلِحّة، ويجبُ أن تتقدمَ على سواها في مداولاتِنا وقراراتِنا، ألا وهي القضيةُ الفلسطينية.
لقد طالَ الأمدُ، وتفاقمت المعاناةُ، وبلغَ السيلُ الزُّبى، وآنَ أوانُ إنهاءِ الاحتلالِ ورفعِ الظلمِ، وإعادةِ الاعتبارِ للحقوقِ المشروعةِ للشعبِ الفلسطيني، من خلالِ تنفيذِ حلِّ الدولتين، باعتبارِه السبيلَ العادلَ والوحيدَ نحوَ سلامٍ دائمٍ وشاملٍ ينهي عقودًا من الصراعِ والحرمان.
إن سلطنةَ عمانَ تؤمنُ بأنَّ السلامَ العادل يُعَــدُّ ركيزةً أساسيّةً لاستدامةِ الأمنِ والاستقرارِ والتنميةِ، ومن هذا المنظور، فإنَّ قيامَ الدولةِ الفلسطينيةِ المستقلةِ بعاصمتِها القدسِ الشرقية، يجبُ أن تكونَ في مقدمةِ الأولوياتِ الاستراتيجيةِ لبلوغِ السلامِ العادلِ والدائمِ في الشرقِ الأوسط؛ ولذلك، فإن الاعترافَ بدولةِ فلسطينَ هو الخطوةُ الأهمُّ في هذه المرحلةِ الحرجةِ من تاريخِ القضيةِ الفلسطينية.
وإن سلطنةَ عمانَ تُعبِّرُ عن تقديرِها العميقِ للحكوماتِ التي اتخذت هذه الخطوة، التي ترسّخُ احترامَ القانونِ الدَّوْلي وتتماشى مع ميثاقِ الأممِ المتحدةِ والإعلانِ العالميِ لحقوقِ الإنسان، كما أن الاعترافَ بفلسطينَ يجسِّدُ التزامَ المجتمعَ الدَّوْلي بحلِّ الدّولتين، حسبما نصّتْ عليه قراراتُ الأممِ المتحدةِ ومخرجاتِ مؤتمرِ حلِّ الدَّولتين، وإعلان نيويورك، برعايةِ الأممِ المتحدة.
رؤساء وأعضاء الوفود الكرام
حضرات المندوبين المحترمين
إن سلطنةُ عمانَ ملتزمةٌ بسياستِها الثابتةِ بتحقيقِ الأمنِ والسلامِ العادلِ في المنطقةِ، ولها مبادراتٌ ومنجزاتٌ مشهودةٌ في هذا المضمارِ وهي مازالت تواصلُ جهودَها وتعاونَها البنّاءَ مع كافةِ الأطرافِ والشركاءِ لبلوغِ هذه الغايةِ النبيلةِ لمصلحةِ الجميع.
واليوم نحتفل بمرورِ ثمانين عامًا على تأسيسِ منظمةِ الأممِ المتحدة، هذا الكيانُ الدَّوْلِي الذي يُجسّد التزامَنا الجماعيَّ بالعملِ من أجلِ السلام، وتسويةِ النزاعاتِ عبرَ الحوارِ والوسائلِ السَّلمية والقانونية.
ومع ذلك، لا تزالُ إسرائيلُ، تُمعنُ في تجاهلِ نداءاتِ المجتمعِ الدَّوْلي، وترفضُ الانخراطَ في حوارٍ جادٍّ يُفضِي إلى حلٍّ عادلٍ وشاملٍ، وبذلك فإن استمرارَها في استخدامِ القوةِ وتغييبِ صوتِ العقلِ، يهدِّدُ مصداقيةَ النظامِ الدَّوْلي، ومن هنا، فإنَّ مسؤوليَّتَنَا المشتركةَ، تحتّمُ علينا مضاعفةَ الجهودِ، وبذلَ الضغوطِ الفاعلةِ، لدفعِ إسرائيل إلى طاولةِ الحوار، وإفهامِها أن طريقَ السلام لا يمكنُ أن يُرسَمَ بالإملاءات، أو فرضِ الأمر الواقع، بل بالتفاهمِ والاحترامِ المتبادلِ للقانونِ الدَّوْلِي وحقوقِ الشعوبِ.
إن بلادي سلطنةَ عمانَ، تدعو المجتمعَ الدَّوْلِي إلى اتّخاذِ إجراءاتٍ تُقَيِّدُ قدرةَ الحكومةِ الإسرائيليةِ على الاستمرارِ في سياسةِ الإبادةِ الجماعيةِ والتدميرِ والاحتلالِ غيرِ المشروعِ للأراضي الفلسطينية، واستمرارَها في سياسةِ التجويعِ وفرضِ الحصارِ على الشعبِ الفلسطيني، ومنعِ وصولِ المساعداتِ الإنسانيةِ إليه.
ومن هذا المنبرِ ندعو إلى حملةٍ عالميةٍ سَلميةٍ لرفعِ الحصارِ والظُّلم عن الشعبِ الفلسطيني، وتحريرِه بإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ المستقلةِ ذاتِ السيادة.
الحضور الكريم
انطلاقًا من المواقفِ الثابتةِ والمبادئِ الراسخةِ القائمةِ على دعمِ السلمِ والاستقرارِ الإقليمي، والرفضِ القاطعِ للتعدي على سيادةِ الدُّوَل، تؤكِّدُ سلطنةُ عمانَ تضامنَها ووقوفَها مع دولةِ قطر الشقيقة، فيما تتخذُهُ من إجراءاتٍ رادعةٍ لحفظِ أمنِها، وسيادتِها الكاملةِ على أراضيها، مجددةً استنكارَها للعدوانِ الإسرائيلي عليها يومَ التاسع من سبتمبر الجاري، كما نُجدِّدُ استنكارَنَا للعدوانِ الإسرائيلي على إيران وعلى اليمن وسوريا ولبنان، وندعو لفرضِ عقوباتٍ على إسرائيل، جرّاءَ انتهاكاتِها الصارخةِ للقانونِ الدَّوْلي وتعدِّيها غيرِ المشروعِ على سيادةِ الدول.
حضراتِ المندوبين المحترمين
إن على الأسرةِ الدَّوْلية وفي مقدمتِها الدولُ دائمةُ العضويةِ بمجلسِ الأمنِ، تمكينَ الأمينِ العام بالقيام بدورِهِ في الوفاءِ بمقاصدِ ميثاقِ الأممِ المتحدة، في مجالِ الأمنِ والسلمِ الدَّوليين، فضلًا عن مدِّهِ بالتعاونِ اللازمِ لبلوغِ أهدافِ التنميةِ المستدامةِ، وخاصةً فيما يتعلقُ بتحفيزِ النُّموِّ الاقتصاديِ الشاملِ للأمم، وتوفيرِ فُرَصِ العملِ، وتشجيعِ الابتكارِ، بما يُسهمُ في تنشيطِ الشراكةِ العالميةِ من أجلِ التنميةِ، ومكافحةِ الفقرِ والمرضِ وتحقيقِ الأمنِ الغذائي والأمنِ الصِّحِّيّ وأمنِ الطاقة.
إنَّ سلطنةَ عمانَ تُولِي التعليمَ والصّحّةَ أولويةً خاصة، لكونِهِما حقّيْن أساسيّين للجميع، وركيزتين رئيسيتين للتنميةِ، كما نُولِي اهتمامًا عاليًا بالتحوُّلِ الرقمي، إلى جانبِ تطبيقاتِ الذّكاءِ الاصطناعي والابتكارِ والتصنيعِ، وترسيخِ منظومةِ الحمايةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ والأمانِ الوظيفي.
ومن جانبٍ آخر، فإنَّ سلطنةَ عمانَ تؤكِّدُ دعمَها المتواصلَ للشبابِ وتمكينِهم بالعلمِ والمعرفةِ، باعتبارِهم قطبَ الرحى للتنمية، والقوةَ الدافعةَ للابتكارِ والنماءِ والاقتصادِ المعرفي، حيث نواصلُ العملَ على خلقِ الفرصِ وتنويعِها، بما يُتيحُ لهم توظيفَ مهاراتِهِم، والمساهمةَ في بناءِ المستقبلِ.
الحضور الكريم
يمرُّ العالمُ اليومَ بإحدى أكثرِ الفتراتِ تعقيدًا وصعوبةً، حيثُ تتزايدُ الأزمَاتُ الدّوْلِيّةِ، وتتقاطعُ التحدّياتُ السياسيةُ والاقتصاديةُ والإنسانيةُ بصورةٍ غيرِ مسبوقة،
وفي خِضَمِّ هذه الظروفِ الدقيقةِ، نشهدُ عجزًا واضحًا لدى المجتمعِ الدَّوْلِي عن اتخاذِ قراراتٍ حاسِمَةٍ وفعَّالة، تُسْهِمُ في نزعِ فتيلِ النزاعاتِ، أو التخفيفِ من معاناةِ الشعوبِ المتضررة، ومعالجةِ الأزماتِ، بمنظورٍ شاملٍ وعادلٍ، ولكن رَغمَ هذه التحدياتِ، فإنَّ ما نعيشُهُ اليومَ يمثّلُ فرصةً حقيقيةً أمامَنَا لإعادةِ تصحيحِ المسارِ، وتجديدِ أسسِ العملِ الدَّوْلِيّ المشترك نحوَ مستقبلٍ يسودُهُ العدلُ والإنصاف.
فَلْنُجَدِّدْ في هذهِ الجمعيةِ العامةِ تمسُكَنَا الجماعيَّ الصادقَ بالقانونِ الدّوْلِي والقانونِ الدّوْلِي الإنساني، وبالمبادئِ الراسخةِ لميثاقِ الأممِ المتحدة، مع الدعوةِ إلى تعزيزِ دورِ هذه المنظمةِ الأمميةِ، ومؤسساتِها المتفرعةِ كافة، لتضطلِعَ بدورٍ أكبرَ، في ترسيخِ الأمنِ والسلمِ الدّوْلِيَّيْن، ونشرِ مِظَلّةِ التنميةِ المستدامة، وترسيخِ ثقافةِ العدالةِ والتسامحِ والاحترامِ المتبادل. فهذا هو السبيلُ لتحقيقِ تطلعاتِ الشعوب في الحرية، وبلوغِ الرَّخاءِ، وصناعةِ مستقبلٍ مزدهرٍ يسودُهُ الإنصافُ والاستقرار.
Follow us